الرئيسية » مقالات » مقالات دينية

" ولنفسك عليك حقاً " عبر وخواطر حول الإجازة والترفيه والترويح

عنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً : فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ،
فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ فَأَكَلَ
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، قَالَ سَلْمَانُ قُمِ الْآنَ ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : " إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ "
فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ سَلْمَانُ ) رواه البخاري .

هنا يبين الإسلام عن مراعاةٍ لحاجات الإنسان النفسية ومتطلباته الروحية .

الإسلام دين السماحة واليسر يساير فطرة الإنسان وحاجاته ، فحين شاهد النبي صلى الله عليه وسلم الحبشة يلعبون قال « لتعلم يهود أن في ديننا فسحة إني أرسلت بحنفية سمحة » رواه أحمد.

فبعض الناس لا يرى في الحياة إلا الجد المرهق ، والعمل المتواصل ، وآخرون يرونها فرصة للمتعة المطلقة والشهوة المتحررة ، وتأتي النصوص الشرعية فيصلاً لا يشق له غبار ، فيشعر بعدها هؤلاء وهؤلاء أن هذا الدين وسط وأن التوازن في حياة المسلم مطلب قال تعالى: ( واتبع فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا.. الآية).

نعم إنها الموازنة المطلوبة بين سائر الحقوق والواجبات ، فها هو الإسلام يراعي الإنسان عقلاً له تفكيره وجسماً له مطالبه ونفساً لها أشواقها..
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السامة علينا ) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية: ( كان يتخولنا أن نتحول من حالة إلى حالة ) لأن السآمة والملل يفضيان الى النفور والضجر ، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم)، ويقول أيضاً: ( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي)، ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: (إني لا ستجم قلبي باللهو المباح ليكون أقوى لي على الحق )، وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ( تحدثوا بكتاب الله وتجالسوا عليه وإذا مللتم فحديث من أحاديث الرجال ) ..


وبعد قراءة أحوالهم واستقراء سيرهم يحدد لنا سلف الأمة ضوابط اللهو المباح والترويح هاهم يروحون عن أنفسهم فلا يتجاوز أحدهم حدود الشرع المطهر ، بعيداً عن المحرمات أو المكروهات ، لم يكن ترويحهم هدفاً لذاته بل كان وسيلةً لتجديد الهمة مع تصحيح النية لعمل أفضل وإنتاج أكمل لذا لم يكن ترويحهم لمجرد تزجيه الأوقات وتضييعها وإمضاء الساعات دون مردود يقوي الجسم وينمي العقل .


ترويحهم وضحكهم وسمرهم وسفرهم وترفيههم لا يضعف إيمانهم ولا يفسد أخلاقهم ، لا يتعدى وقتُ الترويح على أوقات الصلاة وذكر الله وصلة الرحم وقراءة القرآن أولئك هم الرجال (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)

كانوا يروحون عن أنفسهم بعيداً عن سهر في ليل طويل ، وسمر فارغ هزيل ، يخل بحقوق كثيرة ومنها حق الجسم وحق الأهل وفوق ذلك حق الله تعالى وتبارك.
إذا قرأنا سيرهم وتاريخهم نرى عدم الإفراط في استهلاك المباح لعلمهم بأن المهمة الكبرى للإنسان هي عبادة الله ولأن الوقت ثمين ومن منهج الإسلام عدم الإفراط في كل شيء حتى ولو كان في الصوم والصلاة والجهاد فكيف باللهو والترويح، كل ذلك حتى لا تُضَّيع الحقوق الأخرى وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة رضي: (صم وأفطر ، وقم ونم ، فإن لجسدك عليك حقاً ، وإن لعينك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً ، وإن لزورك عليك حقاً ) رواه البخاري .
الصيد - كما تعلمون - مباح في الأصل ، وقد يُفرِط فيه البعض فيهدر أوقاته ، ويهلك أيامه يتتبعه من مكان إلى مكان مطارداً باحثاً ولاهثاً غافلاً ، هنا نهى الإسلام عن هذا الإفراط حفاظاً على وقت المسلم الغالي ليكون في طاعة مديدة ومتوازناً لأداء حقوق كثيرة فقال صلى الله عليه وسلم: ( من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ) رواه أحمد هذا فيمن يفرط في اللهو المباح فكيف بمن يفرط ويصرف أوقاته الثمينة وساعات عمره في أنماط ترويحية محرمة ينتهك محارم الله ويتجاوز مناهيه ؟ كيف بمن يقدم حضور حفل أو وليمة أو فرح أو مبارة على فريضة من فرائض الله كيف بمن يلهو ويمزح ويضحك ويمرح بالسخرية من أحكام الله أو الاستهزاء بعباد الله يتهكم بأعراضهم ويسخر من أحوالهم.. سهرٌ وعبثٌ ونومٌ عن صلاة الفجر أو الظهر والعصر هكذا يقضي بعضهم الإجازة ..
أليس هذا نكراناً لنعم الله وجريمة تنذر بالشؤم وتوجب سخط الإله؟!
كان رسول الله يداعب أصحابه حتى تعجب الصحابة من مداعبته لهم وقالوا : يا رسول الله إنك تداعبنا ؟ قال: (إني لا أقول إلا حقاً ) رواه الترمذي .

 

الفئة: مقالات دينية | أضاف: bouamama (2012/10/20)
مشاهده: 678 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
إضافة تعليق يستطيع فقط المستخدمون المسجلون
[ التسجيل | دخول ]